
الدكتور صبحى الجعفري يكتب : التحليل النفسي لأول جريمة قتل في التاريخ

قوله تعالي (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين * لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين * إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين * فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين * فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين) - صدق الله العظيم .
سبحان الله القرآن الكريم يصور من داخل النفس البشرية كيف صنعت جريمة القتل الأولى فى تاريخ البشرية لم يشر القرآن في تلك الأيات التي أوضحت أول جريمة قتل إلى أى دور للشيطان المتربص بالأنسان الذي يريد أن يغوى أكبر عدد ممكن من البشر ليكونوا معه فى النار وكل حقده على أبو البشر نبي الله أدم الذى حرك فى داخله مكان الحسد والحقد تجاه ، كيف هو المخلوق من طين بأمر الله يأمر جموع الملائكة بالسجود له ، فهما بلغ كيد الشيطان إلا أنه أمام فجور النفس تكون درجات التأثير علي الأنسان فى حضه على الشر يكون لصالح النفس وفجورها وليس الشيطان فكيده يظل ضعيف أمام النفس البشرية .
فالنفس البشرية مكامن الشر الداخلية فيها من حقد وحسد وغل وفجور تأثير ذلك على الأنسان وحضه علي الشر أقوى من أى تأثير، فنفوسنا التى تتحرك فينا تحتاج إلى وقفات بصفة مستمرة لاتتوقف في النظر فيها حتى لايتراكم فينا أى مشاعر سلبية من حقد وحسد وغل وغرور وكبر الأنسان يهرع إلى إزالة أى قذروات ألمت به فى التو والحال وتجده متكاسل في تنظيف وتنقيه نفسه من الأدران التى تصيبه من الأغلال التى تصيبه من الحقد والحسد والغل والشهوات .
قابيل الذى كان زارعا حين تقدم بالقربان (بعضا من الزرع الردئ) إلى الأله لم يكن صادقا فى قربانه بل أنعكست نفسه الداخلية السيئة علي شكل القربان فكان القربان ونفسه علي درجة واحدة من السوء والقبح .
وهابيل الذي كان راعيا حين تقدم بالقربان إلى الأله كان صادقا في قربانه قدم أفضل الكباش أفضلهم وأحلاهم وكانت نفسه الطيبة علي شكل القربان الطيب الجميل الذي قدمه للأله الله أكبر وسبحان الله على جمال القربان أن الله طيباً لا يقبل إلا ما هو طيب .
قتل هابيل الطيب تم أولا داخل نفس قابيل التى طوعت نفسه نتيجة مشاعر الحقد والحسد التى علت فوق كل روابط الأخوة والمحبة والأنسانية وفى اللحظات التى تكونت فيها رغبة التخلص من أخوه الطيب تصور القاتل أنه سيجد الراحة بعدها ولكنه لم يجنى إلا الندم الشديد فقد خسر ديناه وأخرته بإقدامة على قتل أخوه الطيب هكذا يشن الأشرار الحروب تجاه الأخيار لأن وجود الأخيار بجوار الأشرار كاشف للأشرار على درجة الشر والخبث والقذروات التي يحيون فيها .
وكانت الجريمة التي وقع فيها هابيل من وجهة نظر قابيل أنه طيباً ومقبولاً عند الأله وأن قربانه حاز القبول والأفضلية عند الله وبدلاً من أن يقوم قابيل بمراجعة نفسه ويرجع إليها بالخطآ والعتاب ترك نفسه لنفسه وتحركت مشاعر الحقد والحسد تجاه أخاه سنده فى الحياه ومعينه علي كدر الحياه وصعوبتها وأصبح أمام نفسه أداه سهله في الأستجابة لتلك المشاعر السوداء حتى لو كان قتل أخاه لترسم تللك الجريمة الشنعاء الأسباب الدفينة لأى جرائم قتل لابد أن يكون السبب أولا داخل النفس البشرية إما حسد أو حقد أو شهوة أو غل أو رغبة فى عدم تواجد الطيبين أمام أعين الأشرار.
وكل الجرائم التي يقوم بها الأشرار تجاه الطيبون في الحياه نفوسهم طوعت لهم القتل رغبة منهم فى عدم تواجد الأطهار حولهم ، نفوسهم تصور لهم راحة أبدية في التخلص من الطيبين .
هابيل حين تقدم بقربانه إلى الأله قدم نفسه الطاهرة الطيبة النقية أمام النفس الشريرة الحقودة الحسودة ، فقد كان قربان هابيل هو الكاشف لكل ماهو سيئ داخل قابيل لذلك ستظل الحرب دائرة بين أهل الشر وأهل الخير .
النفس الداخلية هي مصانع الشر والخير لابد من مراقبة النفس ومحاسبتها حساباً شديداً ، أحرص علي طهرها ونظافتها ونقاوتها ، وأن وجدت في أخوك الخير فانشد فيك الصلاح والخير ، وأن وجدت في نفسك أى مشاعر سلبية ، عليك اللجوء إلى الله بأن يطهر نفسك من كل مشاعر الحقد والحسد والغل وأحرص دائماً على الخير في حياتك حتي تهنئ بالحياه الطيبة وتفوز بالرضا والسعادة فى الأخرة .
المشاعر السوداء تتسرب كنقاط صغيرة إلى النفس البشرية ، إن أهملناها ولم نطردها من نفوسنا كبرت وتشابكت مع العروق والدماء وصارت لها شخصية أخرى داخل الأنسان تؤمره وتلح عليه بفعل المنكرات وإتشابكت مع الشيطان فى قيادة النفس البشرية إلى الجحيم .
الصلوات الخمس والصيام والطاعات الصادقة لله هى الطريق الذى لابد أن يسير فيه الأنسان إذا أراد أن يحيا حياة طيبة بعيداً عن الشر ، ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها .